الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ,,
فهذا حديث عظيم يرتجف له قلب المؤمن الراجي لحب سيده ومولاه , رب السماواتوالأرض وملك الملوك وجبار الجبابرة الرحيم الكريم البر الحليم , العفوالودود الجميل اللطيف الخبير و العالم بذات الصدور ,الصمد , الواحد الأحدالسميع البصير , الذي أشرقت لنور وجهه السماوات والأرض وصلح به أمر الدنياوالآخرة ,,
سبحانه وتعالى ربي ورب الأولين ,
لا اله الا هو ,
تعالى الله عما يشركون ,
اللهم اننا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا الى حبك ,,
وقد بحثت له عن شرح ,,
فوفقني الله لشرح العلامة الإمام المحقق شيخ الإسلام
محمد بن صالح العثمين رحمه الله ,,
في شرحه لرياض الصالحين في المجلد الثالث ,, إذ أن النووي رحمه الله قد أورده في باب علامات حب الله تعالى لعبده ,,
شرحه شيخنا شرح فيه خير كثير ,,
رحمه الله وأعظم له المثوبة ,,
فنقلته وأرجوا من الله تعالى لي ولإخواني الأجر والنفع ,,
::
من كتاب شرح رياض الصالحين للعلامة بن عثيمين
المجلد الثالث
باب – 47 :
باب علامات حب الله تعالى للعبد
والحث على التخلق بها والسعي في تحصيلها
قال تعالى: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِييُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌرَحِيمٌ ) [آل عمران:31] ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوامَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍعَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَلَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُوَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54] .
1/386 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : (( إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً ، فقد آذنته بالحرب، وماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليبالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصربه، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني، أعطيته، ولئناستعاذني، لأعيذ نه )) رواه البخاري (227) .
معنى (( آذنته )) : أعلمته بأني محارب له . وقوله (( استعاذني )) روي بالباء وروي بالنون .
2/387 ـ وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (( إذا أحب الله تعالىالعبد، نادى جبريل، إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحببه، فيحبه جبريل،فينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثميوضع له القبول في الأرض )) متفق عليه (228) .
وفي رواية لمسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالىإذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال : إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثمينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثميوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول : إني أبغضفلانا، فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغضفلاناً، فأبغضوه ، فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في السماء ))(229) .
3/388 ـ وعن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعثرجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه قي صلاتهم ، فيختم بـ (( قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ ) فلما رجعوا ، ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلمفقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ )) فسألوه، فقال : لأنها صفة الرحمن ،فأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أخبروه أنالله تعالى يحبه )) متفق عليه(230) .
الـشـرح
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ : باب علامات حب الله تعالى للعبد ، يعنيعلامة أن الله تعالى يحب العبد ؛ لأن لكل شيء علامة ، ومحبة الله للعبدلها علامة ؛ منها كون الإنسان متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهكلما كان الإنسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتبع ؛ كان لله أطوع ،وكان أحب إلى الله تعالى .
واستشهد المؤلف رحمه الله لذلك بقوله تعالى: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْتُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )[آل عمران:31].يعني إن كنتم صادقين في أنكم تحبون الله فأروني علامة ذلك : اتبعونييحببكم الله .
وهذه الآية تسمى عند السلف آية الامتحان ، يمتحن بها من ادعى محبة اللهفينظر إذا كان يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ فهذا دليل على صدق دعواه.
وإذا أحب الله ؛ أحبه الله عز وجل ، ولهذا قال : ( فَاتَّبِعُونِييُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) وهذه ثمرة جليلة ؛ أن الله تعالى يحبك ؛ لأن اللهتعالى إذا أحبك ؛ نلت بذلك سعادة الدنيا والآخرة .
ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلمقال : (( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )) من عادى لي ولياً : يعنيصار عدوا لولي من أوليائي ، فإنني أعلن عليه الحرب ، يكون حرباً لله .الذي يكون عدوا لأحد من أولياء الله فهو حرب لله والعياذ بالله مثل أكلالربا ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِوَرَسُولِهِ) [البقرة: 279] .
ولكن من هو ولي الله ؟ ولي الله سبحانه وتعالى في قوله : أَلا إِنَّأَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) [يونس: 62 ،63] .
هؤلاء هم أولياء الله ، فمن كان مؤمناً تقياً ؛ كان لله ولياً ، هذه هيالولاية ، وليست الولاية أن يخشوشن الإنسان في لباسه ، أو أن يترهبن أمامالناس ، أو أن يطيل كمه أو أن يخنع رأسه ؛ بل الولاية الإيمان والتقوى(الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن عادى هؤلاء فإنه حرب للهوالعياذ بالله .
ثم قال الله عز وجل في الحديث القدسي : (( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلىمما افترضه عليه )) يعني أحب ما يحب الله الفرائض . فالظهر أحب إلى اللهمن راتبة الظهر ، والمغرب أحب إلى الله من راتبة المغرب ، والعشاء أحب إلىالله من راتبة العشاء ، والفجر أحب إلى الله من راتبة الفجر ، والصلاةالمفروضة أحب إلى الله من قيام الليل ، كل الفرائض أحب إلى الله منالنوافل ، والزكاة أحب إلى الله من الصدقة ، وحج الفريضة أحب إلى الله منحج التطوع ، كل ما كان أوجب فهو أحب إلى الله عز وجل .
(( وما تقرب إلى عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقربإليَ بالنوافل حتى أحبه )) وفي هذا إشارة إلى أن من أسباب محبة الله أنتكثر من النوافل ومن التطوع ؛ نوافل الصلاة ، نوافل الصدقة ، نوافل الصوم، نوافل الحج ، وغير ذلك من النوافل .
فلا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه الله ، فإذا أحبه اللهكان سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصره به ، ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها ، ولئن سأله ليعطينه ، ولئن استعاذه ليعيذنه .
(( كنت سمعه )) يعني : أنني أسدده في سمعه ، فلا يسمع إلا ما يرضي الله ،(( وبصره )) أسدده في بصره فلا يبصر إلا ما يحب الله (( ويده التي يبطشبها )) فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله (( ورجله التي يمشي بها )) فلايمشي برجله إلا لما يرضي الله عز وجل ، فيكون مسدداً في أقواله وفي أفعاله.
(( ولئن سألني لأعطينه )) هذه من ثمرات النوافل ومحبة الله عز وجل ؛ أنهإذا سأل الله أعطاه ، (( ولئن استعاذني )) يعني استجار بي مما يخاف من شره(( لأعيذنه )) فهذه من علامة محبة الله ؛ أن يسدد الإنسان في أقوالهوأفعاله ، فإذا سدد دل ذلك على أن الله يحبه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) ( يُصْلِحْلَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم ) [الأحزاب: 70 ،71] .
وذكر أيضاً أحاديث أخرى في بيان محبة الله سبحانه وتعالى وأن الله تعالىإذا أحب شخصاً نادى جبريل ، وجبريل أشرف الملائكة ، كما أن محمداً صلىالله عليه وسلم أشرف البشر . (( نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبهجبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهلالسماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض )) فيحبه أهل الأرض .
وإذا أبغض الله أحداً ـ والعياذ بالله ـ نادى جبريل : إني أبغض فلاناًفأبغضه ، فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناًفأبغضوه ، فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغضاء في الأرض ، والعياذبالله ؛ فيبغضه أهل الأرض وهذا أيضاً من علامات محبة الله، أن يوضعللإنسان القبول في الأرض، بأن يكون مقبولاً لدى الناس ، محبوباً إليهم ،فإن هذا من علامات محبة الله تعالى للعبد . نسأل الله أن يجعلنا والمسلمينمن أحبابه وأوليائه .----------------------
(217) رواه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب حلاوة الإيمان ، رقم ( 16 ) ،ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب خصال من اتصف بهن حلاوة الإيمان ، رقم ( 43 ) .
(218) رواه البخاري ، كتاب الأذان ، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ،رقم ( 660 ) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب فضل إخفاء الصدقة ، رقم ( 1031 ).
(219) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب في فضل الحب في الله ، رقم ( 2566 ) .
(220) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ، رقم ( 54 ) .
(221) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب في الحب في الله ، رقم ( 2567 ) .
(222) رواه مالك في الموطأ ( 2/ 593 ) .
(223) رواه أبو داود ، كتاب الأدب إخبار الرجل بمحبته إياه ، رقم ( 5124 )، والترمذي ، كتاب الزهد ، باب ما جاء في إعلام الحب رقم ( 2392 ) .
(224) رواه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب في الانتظار ، رقم ( 1522 ) ،والنسائي ، كتاب السهو ، باب نوع آخر من الدعاء ، رقم ( 1303 ) .
(225) رواه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب إخبار الرجل الرجل بمحبته إياه ، رقم ( 5125 ) .
(226) رواه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم صلوات الله عليه، رقم ( 3336 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب الأرواح جنود مجندة ،رقم (2638)