(المؤسسة الدينية) عندما تصبح ( قنطرة العلمانية )
هل الحرب على النقاب أم على الإسلام؟! :
هل – حقاً – المقصود بالمعركة - الحالية - هو النقاب فقط؟!!
وهل – حقاً – المشكلة مع النقاب مسألة فقهية ؟!!
أم أن معركة العلمانية تشمل كل ثوابت الدين ومقدسات الإسلام ابتداءً بأركانه ، يقول د . أحمد إدريس الطعان في ( مآل الإسلام في القراءات العلمانية) :( فالشهادتان في الدين العلماني الجديد ليس لهما مدلول إيماني لأنه \" في حقيقة الأمر وطبقاً لمقتضيات العصر لا تعني الشهادة التلفظ بهما أو كتابتهما، إنما تعني الشهادة على العصر ... ليست الشهادتان إذن إعلاناً لفظياً عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ \" ([1]) .
أما الجزء الثاني من الشهادة فليس من الإسلام لأنه أضيف إلى الأذان فيما بعد إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء لكل الأديان ([2]) .
والصلاة مسألة شخصية ([3])، وليست واجبة ([4])، وفرضت أصلاً لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد ([5])، وتغني عنها رياضة اليوغا وهو ما غفل عنه الفقهاء ([6]).
والزكاة أيضاً ليست واجبة وإنما هي اختيارية ( [7])، كما أنها لا تؤدي الغرض لأنها تراعي معهود العرب في حياتهم التي كانوا عليها \" فهي تمس الثروات الصغيرة والمتوسطة أكثر مما تمس الثروات الضخمة ... ولم توضع للحد من الثروات الكبيرة القائمة على الربح المرتفع ، فهذه لم تكن معهود العرب زمن النبوة ... ولذلك فالزكاة وحدها لا يمكن أن تنال شيئاً من الفوارق الطبقية الكبيرة لأنها وضعت أصلاً لمجتمع ليس فيه مثل هذه الفوارق الطبقية الكبيرة \" ([8]). إن الزكاة مقدمة يحثنا فيها الإسلام على الوصول إلى الشيوعية المطلقة ([9]).
والصوم كذلك ليس فرضاً وإنما هو للتخيير ([10])، وهو مفروض على العربي فقط، لأنه مشروط بالبيئـة العربية ولذلك فالصوم بالنسبة للمسلم غير العربي مـجرد دلالـة وعبرة دينية ( ([11]. بل إن الصوم يحرم على المسلمين في العصر الحاضر لأنه يقلل الإنتاج ([12]).
أما الحج كذلك فهو من الطقوس الوثنية الميثية العربية القديمة التي أقرها الإسلام مراعاة لحال العرب ([13])وما هو إلا تعبير عن الحنين إلى أسطورة العود الأبدي ([14])، وإعادة إحياء لتلك التجربة الجنسية الدينية المقدسة التي تمت بين آدم وحواء، والحج العربي العاري في الجاهلية يؤكد المشاركة في الجنس بين الألوهية والبشر ([15]). كما أن تحويل القبلة والحج تعبير عن الرغبة في تعريب الإسلام وتأكيد عروبيته ( [16]).................. إن \" الجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض، والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها \"([17])، \"\" أمور المعاد هي الدراسات المستقبلية بلغة العصر والكشف عن نتائج المستقبل ابتداء من حسابات الحاضر
\" ([18]). أما الحور العين والملذات فهي تعبير عن الفن والحياة بدون قلق ([19]) وأما الوطء فهو تعبير عن عقلية ذكورية جامحة إلى السيطرة ([20]) )
فهي حرب إذن تشمل كل ثوابت الدين ومحكماته ، وإنما الحرب على النقاب جزء من هذه المنظومة
حقيقة العلمانية وأصناف العلمانيين:
والعلمانية من حيث المعنى: لا علاقة لها بالعلم ولكنها حرب على الدين وتعاملٌ معه على أنه موروث بشري يجب نبذه عن الحكم والحياة ،ينقل الشيخ محمد قطب عن دائرة المعارف البريطانية في تعريف كلمة (( Secularism )): (( هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحيـاة الدنيا وحدها . ذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر. ومـن أجـل مـقاومة هـذه الرغـبة طـفقت الـ (( Secularism )) تعرض نفسها من خلال تنمية النـزعة الإنسانية ، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية البشرية ، وبإمكانية تحقيق طموحاتهم في هذه الحياة القريبة . وظل الاتجاه إلى الـ ((Secularism )) يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية)) (1).)
ويقول الشيخ سفر د.الحوالي: (والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو \" فصل الدين عن الدولة \" ، وهو في الحقيقة لا يعطى المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة ، ولو قيل أنها \" فصل الدين عن الحياة \" لكان أصوب ، ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية \" إقامة الحياة على غير الدين \" سواء بالنسبة للأمة أو للفرد )
ويقول الشيخ د.صلاح الصاوي: (وعلى هذا فإن المعنى الصحيح لهذا التعبير هو الفصل بين الدين والدولة، بل بتعبير أدق الفصل بين الدين والحياة، وعدم المبالاة بالدين أو الاعتبارات الدينية، ونزع القداسة عن المقررات الدينية والتعامل معها كمواريث بشرية بحتة وقصر الدين على جانب الشعائر التعبدية الفردية البحتة باعتباره علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه)
والعلمانية كأيديولوجية نشأت كثورة على تسلط الكنيسة وصلت للثورة على كل ما يُنسب للدين وهي ما تم نقله إلى بلاد المسلمين على صورتين كما يقول الشيخ محمد شاكر الشريف: (للعلمانية صورتان ، كل صورة منهما أقبح من الأخرى :
الصورة الأولى : العلمانية الملحدة : وهي التي تنكر الدين كلية : وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ، ولا تعترف بشيء من ذلك ، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله ، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها ، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين ، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين ، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفـارق دينه ، ( وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف ) ، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب ، أو السجن أو القتل .
الصورة الثانية : العلمانية غير الملحدة ([21]) وهي علمانية لا تنكر وجود الله ، وتؤمن به إيمانًا نظريًا : لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا ، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا ، ( وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة ) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين ، فعدم إنكارها لوجود الله ، وعدم ظهور محاربتها للتدين ([22]) يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية ، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين ، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية ، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك .
ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم ، تحارب الدين حقيقة ، وتحارب الدعاة إلى الله ، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين ؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى ، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين ، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين .
ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى ، أو ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر الإسلام ، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور)
وأما على أرض الواقع فالعلمانية بشقيها الملحد وغير الملحد يقاتلان بصورة تكاملية تتفق على أصل الثورة على مرجعية الشريعة - حتى بصورتها غير الملحدة - وغاية ما تصل إليه هو ذكر الكلمات الإسلامية لتفريغها من حقيقتها ومضمونها ، كما ينقل د.أحمد إدريس الطعان عن أحدهم : (القرآن كتاب هداية وإقحامه في كل أمورنا الحياتية ليست من تخصصه إنه ليس كتاباً في الطب والفيزياء ([23]))فأثبت له الهداية ورفض الاهتداء به في كل نواحي الحياة..
قنطرة العلمانية:
بعد هذه المقدمة عن حقيقة العلمانية وتعاملها مع المرجعية الدينية ، نقف عند حربها على النقاب ومن قبله على الختان والدور الذي لعبته المؤسسات الدينية التابعة لها والتي تضفي الشرعية على ما يسميه (علي جمعة) بـ (التجربة المصرية) الفريدة من نوعها والتي ينص في إحدى فتاويه أنها تطبق الشريعة بنسبة تزيد عن 90% ...
وهذه الصورة التي تذكرنا ببدايات إدخال العلمانية في مصر كما يقول د.سليمان الخراشي في (العصرانية قنطرة العلمانية) : ((وخير مثال لهذه الحال: مجتمع مصر في القرنين الأخيرين، حيث سلط عليه الأعداء الغزو العسكري([24]) والغزو الفكري في سبيل صرفه عن دينه، لكنهم باؤا بالفشل ولم يحققوا نجاحاً يذكر يوازي ما قاموا به من الجهود؛ نظراً لارتباط الشعب المصري بعلمائه الشرعيين الممثلين في الأزهر؛ حيث كانوا حصناً منيعاً أمام جهود الأعداء التغريبية([25]) .
لكن الأعداء لم ييأسوا أو يملوا وهم يرون ضياع جهودهم وفشلهم، وإنما لجأوا إلى خطة أكثر مكراً، وأشد ضررًا، وهي تكرار محاولة الغزو للمجتمع المصري بواجهة إسلامية (مخدوعة) يتقبل الشعب المسلم اطروحاتها وأفكارها التغريبية دون نفرة أو استيحاش؛ يخلخلون بها وحدة المجتمع المصري المسلم؛ بتهييجه على ولاة أمره، إضافة إلى صرفه عن العلماء الكبار الراسخين الذين يصعب تطويعهم. وقد تم لهم ذلك من خلال ما يسمى (بالعصرانيين) أتباع مدرسة الأفغاني ومحمد عبده الذين ظنوا بجهلهم أنهم يخدمون الإسلام والدعوة بصنيعهم هذا، ويوفقون بين أحكام الشريعة ومتطلبات العصر –زعموا !- ولكنهم أصبحوا فيما بعد كما قال ألبرت حوراني: \"قنطرة للعلمانية عبرت عليها إلى العالم الإسلامي؛ لتحتل المواقع واحداً تلو الآخر\". ثم كان مصير أفراد هذه الطائفة العصرانية الخاسرة مصير أي وسيلة استخدمت فاستنفذت أغراضها، حيث (تمندل) ([26]) بهم الأعداء قليلاً ثم رموا بهم. فمنهم من مات بحسرته جراء ما جناه على مجتمعه، ومنهم من انحاز إلى الصف العلماني وكشف عن حقيقته، وقلة منهم أحست بخطورة دورها الذي قامت به فأرادت أن تُكَفّر عن سيئاتها بانحيازها ر ويدًا رويدًا إلى أهل الإسلام. ولكن بقيت تجربتهم جميعاً عبرة للمعتبرين وآية للمتوسمين .)
وقفات مهمة:
ولنا مع هذا المسلك من المؤسسات الدينية في الحرب العلمانية - الحالية - على النقاب وقفات،منها:
1-هذا المسلك ليس كافياً ليكون مقياساً عن ضعف العلمانيين أو قوتهم ولكنه يؤكد فشل (العلمانية) كمذهب تجتهد جميع وسائل الإعلام والتعليم لترسيخه حتى أنهم قاموا بإلغاء مادة التربية الدينية باستدلالات علمانية صرفة ، ومع ذلك حاولوا التمهيد أو انتهاز الفرصة للاحتماء في المؤسسات الدينية التابعة لهم ..
2-كما ذكرنا من تجربة محمد عبده وغيره يظهر أن هذا المسلك هو مقدمة لمرحلة جديدة ،فكل مرحلة هجوم على الثوابت ومحاولة الانتقال بالأمة لوضع أسوأ، يحتاجون في بدايتها لهذا المسلك..
3-أن هذا المسلك نابع من فهمهم الجيد لعقليات ونفسيات المجتمع وما يتقبله وما لا يتقبله ، فهم لا يُقامرون على الجدال الفقهي على فتاوى ذويهم ولكنهم يكتفون بها كتوطئة فإذا ناقشتهم قالوا : (نحن لسنا رجال دين ، اذهبوا وناقشوا رجال الدين) ، فما يجب أن نقف عليه هنا هو أهمية دراسة المسالك التي يستخدمونها في التعامل مع المجتمع، والتعامل معها بما يناسبها ويناسب خطورة دورها..
4-الاستفادة من هذه الملحوظات وأشباهها في معرفة ما يخاف العلمانيون منه ويتحاشونه على ضوء ما ذكرناه من فهمهم الجيد لعقلية ونفسية المجتمع ،ووضع الوسائل المضادة لخططهم على ضوئه ،وهو هنا الحرص على عدم إظهار المعركة أنها بين العلمانية والإسلام لأنه يؤدي مباشرة إلى تهميش مؤسساتهم الدينية واحتشاد الأمة حول الصحوة بل وإضفاء الشرعية عليها وإعطاء أبعاد للتضحياتها ، وهو ما تهدف كثير من خططهم لمنعه
5-الوقوف على خطورة المؤسسات الدينية بصورتها الجديدة في الحرب العلمانية والانتباه إلى أنها ستظل حائط الصد ورأس الحربة للعلمانيين في تمرير مخططاتهم،ولعل من أسباب هذا الاتجاه الجديد تراجع وضعف عدد من المناهج الفكرية التي كانت تصب في العلمانية كفكرة كالشيوعية والقومية ، بالإضافة إلى زيادة الخدمات التي تقدمها العلمانية لأعداء الأمة مما يجعلها في حاجة لتأمين الشرعية. وعلى ضوء هذا فيجب إعادة جدولة اهتمامات ومعارك الصحوة الإسلامية وأساليبها في التعامل مع بعض الرموز الدينية كعلي جمعة ورموز العلمانية والربط بينهم بدلائل قوية ..
6- خطأ التعامل مع قضية النقاب منبتاً عن هذا التصور الشامل للأحداث ، وأهمية فهمه ضمن منظومة تغريب المرأة ومخططات العلمانيين للمرحلة القادمة ووضع الوسائل على ضوء هذا الفهم الشامل وانتظام الحلول الجزئية (كبيان فتوى علي جمعة وسيد طنطاوي السابقة أو بيان حكم النقاب) ضمن حلول أكثر شمولية تبدأ بإصلاح الداخل وتهيئته لمواجهة المرحلة القادمة
(يُتبع إن شاء الله)
(3) معركة الثبات بين الجاهلية والإيمان
العلمانية باعتبارها جاهلية في الحكم والتشريع وجاهلية في الأخلاق والقيم وباعتبارها ثورة على الدين والتدين ، مثلها مثل الجاهليات السابقة تتشابه في استدلالاتها وألفاظها وتطرفها ، ولكن من أكثر ما أوضحته الحملة المسعورة على العفة والطهارة هو ما يمكن أن نطلق عليه – إن صح التعبير – المبدئية والتطرف في الثبات على تعاليم الجاهلية وأسسها ويظهر ذلك في ثلاث صور:
الصورة الأولى: التكاتف والتعاضد بين أفرادها في المعركة وشعارهم هو شعار الجاهلية (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً):
فنجد أن (علي جمعة) المعروف عنه استهانته بـ (طنطاوي) يؤازره ، ونجد أن رئيس جامعة عين شمس الذي يحمل وزر بقية الجامعات التي تبعته تتم مكافئته وترقيته بصورة مفاجئة
ونجد أن بقية الجامعات تكاتفت وخاضت المعركة مجتمعة فدخلت جامعة القاهرة وحلوان وبنها والمنصورة والزقازيق وكفر الشيخ والفيوم وتم تبني الأمر من الوزراء ، وعندما سهى أحدهم وهو عميد دار علوم وصرح أنه سيسمح بالكمامة بدل النقاب اضطر ليثبت ولاءه لمزيد خسه ودناءة فتجرأ على الطاهرات فهاجم أختاً وقال لها \"غوري في داهية \" و \"إيه الزفت اللي على وشك ده\" ..بل ونزع بيده نقابها ،وعلق لافتات بمنع الدخول بالكمامة ..
ثم جاء رئيس جامعة الفيوم وزاد وصرح بمنع المدرسات المنتقبات من دخول المحاضرات ، والذي تتابعت التصريحات بمفاده
ثم خرجت المؤسسات الصهيونية الأمريكية لتشن هي الأخرى حرباً شرسة على كلية أمريكية تراجعت عن حظر النقاب محتجة بالجامعات المصرية فكأنها بمعنى آخر تخاف أن يستغل ذلك في الاحتجاج على هذه الجامعات ، فهو تواصي وتكاتف بين الجاهلية في كل مكان ..
أليس هذا هو مسلك الجاهليات في كل زمانٍ ومكان..؟
ألم يذكر سبحانه أن الظالمين بعضهم أولياء بعض فقال سبحانه وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، وقال: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
يقول القرطبي : ({وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} أي أصدقاء وأنصار وأحباب. قال ابن عباس: يريد أن المنافقين أولياء اليهود) ويقول ابن كثير : (وماذا تغني عنهم ولايتهم لبعضهم بعضا، فإنهم لا يزيدونهم إلا خسارا ودمارا وهلاكا)
وذكر سبحانه أن الكافرين أولياء بعض فقال سبحانه : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)
بل اليهود والنصارى مع ما بينهم من عداوة بعضهم أولياء بعض ، قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)
وهذا الرابطة ليست قاصرة على شياطين الإنس بل تربطهم كذلك مع شياطين الجن ، قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) ،وقال سبحانه فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)
وهذا الرابطة تتجاوز وتتغاضى عن أي حقائق أو خلافات ولو كانت في أصل مايدعون الاعتقاد به حتى يصل الأمر بأهل الكتاب أن يشهدوا أن عباد الأصنام والأوثان أهدى من النبي – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين معه ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا)
وهذه الولاية والرابطة تزيد عندما يشعرون بوقع المعركة فيتنادون بالصبر والتكاتف ويلوحون بالتهديد لكل من يتقاعس ،يقول تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)
وهي رابطة تُغذيها الوعود بالنصر والرفعة والجاه والسلطان لضمان استمرارية وقوة هذه الرابطة ، قال تعالى : (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا)
ولكن الله – عز وجل – يطمئن المؤمنين أن هذه الرابطة وإن رآها المؤمنون متشابكة مترابطة فهي واهية كبيت العنكبوت خيوطه متشابكة ومترابطة ولكنها واهية ، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
وفي مقابلها يأمر الله سبحانه المؤمنين بمزيد إخلاص وتوحيد في ولايتهم له سبحانه، إذ هي السبيل الوحيد لإبطال كيد الظالمين أما من تدعوه نفسه ويميل بهواه إلى الركون للظالمين والتماس القرب والرحمة منهم فقد عرض نفسه للعذاب في الدنيا والآخرة ، يقول تعالى : (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)، ويعدهم - إن فعلوا ذلك - بالغلبة ،فيقول تعالى : {ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فإن حزب الله هم الغالبون}
هل الحرب على النقاب أم على الإسلام؟! :
هل – حقاً – المقصود بالمعركة - الحالية - هو النقاب فقط؟!!
وهل – حقاً – المشكلة مع النقاب مسألة فقهية ؟!!
أم أن معركة العلمانية تشمل كل ثوابت الدين ومقدسات الإسلام ابتداءً بأركانه ، يقول د . أحمد إدريس الطعان في ( مآل الإسلام في القراءات العلمانية) :( فالشهادتان في الدين العلماني الجديد ليس لهما مدلول إيماني لأنه \" في حقيقة الأمر وطبقاً لمقتضيات العصر لا تعني الشهادة التلفظ بهما أو كتابتهما، إنما تعني الشهادة على العصر ... ليست الشهادتان إذن إعلاناً لفظياً عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ \" ([1]) .
أما الجزء الثاني من الشهادة فليس من الإسلام لأنه أضيف إلى الأذان فيما بعد إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء لكل الأديان ([2]) .
والصلاة مسألة شخصية ([3])، وليست واجبة ([4])، وفرضت أصلاً لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد ([5])، وتغني عنها رياضة اليوغا وهو ما غفل عنه الفقهاء ([6]).
والزكاة أيضاً ليست واجبة وإنما هي اختيارية ( [7])، كما أنها لا تؤدي الغرض لأنها تراعي معهود العرب في حياتهم التي كانوا عليها \" فهي تمس الثروات الصغيرة والمتوسطة أكثر مما تمس الثروات الضخمة ... ولم توضع للحد من الثروات الكبيرة القائمة على الربح المرتفع ، فهذه لم تكن معهود العرب زمن النبوة ... ولذلك فالزكاة وحدها لا يمكن أن تنال شيئاً من الفوارق الطبقية الكبيرة لأنها وضعت أصلاً لمجتمع ليس فيه مثل هذه الفوارق الطبقية الكبيرة \" ([8]). إن الزكاة مقدمة يحثنا فيها الإسلام على الوصول إلى الشيوعية المطلقة ([9]).
والصوم كذلك ليس فرضاً وإنما هو للتخيير ([10])، وهو مفروض على العربي فقط، لأنه مشروط بالبيئـة العربية ولذلك فالصوم بالنسبة للمسلم غير العربي مـجرد دلالـة وعبرة دينية ( ([11]. بل إن الصوم يحرم على المسلمين في العصر الحاضر لأنه يقلل الإنتاج ([12]).
أما الحج كذلك فهو من الطقوس الوثنية الميثية العربية القديمة التي أقرها الإسلام مراعاة لحال العرب ([13])وما هو إلا تعبير عن الحنين إلى أسطورة العود الأبدي ([14])، وإعادة إحياء لتلك التجربة الجنسية الدينية المقدسة التي تمت بين آدم وحواء، والحج العربي العاري في الجاهلية يؤكد المشاركة في الجنس بين الألوهية والبشر ([15]). كما أن تحويل القبلة والحج تعبير عن الرغبة في تعريب الإسلام وتأكيد عروبيته ( [16]).................. إن \" الجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض، والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها \"([17])، \"\" أمور المعاد هي الدراسات المستقبلية بلغة العصر والكشف عن نتائج المستقبل ابتداء من حسابات الحاضر
\" ([18]). أما الحور العين والملذات فهي تعبير عن الفن والحياة بدون قلق ([19]) وأما الوطء فهو تعبير عن عقلية ذكورية جامحة إلى السيطرة ([20]) )
فهي حرب إذن تشمل كل ثوابت الدين ومحكماته ، وإنما الحرب على النقاب جزء من هذه المنظومة
حقيقة العلمانية وأصناف العلمانيين:
والعلمانية من حيث المعنى: لا علاقة لها بالعلم ولكنها حرب على الدين وتعاملٌ معه على أنه موروث بشري يجب نبذه عن الحكم والحياة ،ينقل الشيخ محمد قطب عن دائرة المعارف البريطانية في تعريف كلمة (( Secularism )): (( هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحيـاة الدنيا وحدها . ذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر. ومـن أجـل مـقاومة هـذه الرغـبة طـفقت الـ (( Secularism )) تعرض نفسها من خلال تنمية النـزعة الإنسانية ، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية البشرية ، وبإمكانية تحقيق طموحاتهم في هذه الحياة القريبة . وظل الاتجاه إلى الـ ((Secularism )) يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية)) (1).)
ويقول الشيخ سفر د.الحوالي: (والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو \" فصل الدين عن الدولة \" ، وهو في الحقيقة لا يعطى المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة ، ولو قيل أنها \" فصل الدين عن الحياة \" لكان أصوب ، ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية \" إقامة الحياة على غير الدين \" سواء بالنسبة للأمة أو للفرد )
ويقول الشيخ د.صلاح الصاوي: (وعلى هذا فإن المعنى الصحيح لهذا التعبير هو الفصل بين الدين والدولة، بل بتعبير أدق الفصل بين الدين والحياة، وعدم المبالاة بالدين أو الاعتبارات الدينية، ونزع القداسة عن المقررات الدينية والتعامل معها كمواريث بشرية بحتة وقصر الدين على جانب الشعائر التعبدية الفردية البحتة باعتباره علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه)
والعلمانية كأيديولوجية نشأت كثورة على تسلط الكنيسة وصلت للثورة على كل ما يُنسب للدين وهي ما تم نقله إلى بلاد المسلمين على صورتين كما يقول الشيخ محمد شاكر الشريف: (للعلمانية صورتان ، كل صورة منهما أقبح من الأخرى :
الصورة الأولى : العلمانية الملحدة : وهي التي تنكر الدين كلية : وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ، ولا تعترف بشيء من ذلك ، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله ، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها ، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين ، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين ، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفـارق دينه ، ( وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف ) ، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب ، أو السجن أو القتل .
الصورة الثانية : العلمانية غير الملحدة ([21]) وهي علمانية لا تنكر وجود الله ، وتؤمن به إيمانًا نظريًا : لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا ، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا ، ( وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة ) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين ، فعدم إنكارها لوجود الله ، وعدم ظهور محاربتها للتدين ([22]) يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية ، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين ، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية ، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك .
ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم ، تحارب الدين حقيقة ، وتحارب الدعاة إلى الله ، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين ؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى ، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين ، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين .
ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى ، أو ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر الإسلام ، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور)
وأما على أرض الواقع فالعلمانية بشقيها الملحد وغير الملحد يقاتلان بصورة تكاملية تتفق على أصل الثورة على مرجعية الشريعة - حتى بصورتها غير الملحدة - وغاية ما تصل إليه هو ذكر الكلمات الإسلامية لتفريغها من حقيقتها ومضمونها ، كما ينقل د.أحمد إدريس الطعان عن أحدهم : (القرآن كتاب هداية وإقحامه في كل أمورنا الحياتية ليست من تخصصه إنه ليس كتاباً في الطب والفيزياء ([23]))فأثبت له الهداية ورفض الاهتداء به في كل نواحي الحياة..
قنطرة العلمانية:
بعد هذه المقدمة عن حقيقة العلمانية وتعاملها مع المرجعية الدينية ، نقف عند حربها على النقاب ومن قبله على الختان والدور الذي لعبته المؤسسات الدينية التابعة لها والتي تضفي الشرعية على ما يسميه (علي جمعة) بـ (التجربة المصرية) الفريدة من نوعها والتي ينص في إحدى فتاويه أنها تطبق الشريعة بنسبة تزيد عن 90% ...
وهذه الصورة التي تذكرنا ببدايات إدخال العلمانية في مصر كما يقول د.سليمان الخراشي في (العصرانية قنطرة العلمانية) : ((وخير مثال لهذه الحال: مجتمع مصر في القرنين الأخيرين، حيث سلط عليه الأعداء الغزو العسكري([24]) والغزو الفكري في سبيل صرفه عن دينه، لكنهم باؤا بالفشل ولم يحققوا نجاحاً يذكر يوازي ما قاموا به من الجهود؛ نظراً لارتباط الشعب المصري بعلمائه الشرعيين الممثلين في الأزهر؛ حيث كانوا حصناً منيعاً أمام جهود الأعداء التغريبية([25]) .
لكن الأعداء لم ييأسوا أو يملوا وهم يرون ضياع جهودهم وفشلهم، وإنما لجأوا إلى خطة أكثر مكراً، وأشد ضررًا، وهي تكرار محاولة الغزو للمجتمع المصري بواجهة إسلامية (مخدوعة) يتقبل الشعب المسلم اطروحاتها وأفكارها التغريبية دون نفرة أو استيحاش؛ يخلخلون بها وحدة المجتمع المصري المسلم؛ بتهييجه على ولاة أمره، إضافة إلى صرفه عن العلماء الكبار الراسخين الذين يصعب تطويعهم. وقد تم لهم ذلك من خلال ما يسمى (بالعصرانيين) أتباع مدرسة الأفغاني ومحمد عبده الذين ظنوا بجهلهم أنهم يخدمون الإسلام والدعوة بصنيعهم هذا، ويوفقون بين أحكام الشريعة ومتطلبات العصر –زعموا !- ولكنهم أصبحوا فيما بعد كما قال ألبرت حوراني: \"قنطرة للعلمانية عبرت عليها إلى العالم الإسلامي؛ لتحتل المواقع واحداً تلو الآخر\". ثم كان مصير أفراد هذه الطائفة العصرانية الخاسرة مصير أي وسيلة استخدمت فاستنفذت أغراضها، حيث (تمندل) ([26]) بهم الأعداء قليلاً ثم رموا بهم. فمنهم من مات بحسرته جراء ما جناه على مجتمعه، ومنهم من انحاز إلى الصف العلماني وكشف عن حقيقته، وقلة منهم أحست بخطورة دورها الذي قامت به فأرادت أن تُكَفّر عن سيئاتها بانحيازها ر ويدًا رويدًا إلى أهل الإسلام. ولكن بقيت تجربتهم جميعاً عبرة للمعتبرين وآية للمتوسمين .)
وقفات مهمة:
ولنا مع هذا المسلك من المؤسسات الدينية في الحرب العلمانية - الحالية - على النقاب وقفات،منها:
1-هذا المسلك ليس كافياً ليكون مقياساً عن ضعف العلمانيين أو قوتهم ولكنه يؤكد فشل (العلمانية) كمذهب تجتهد جميع وسائل الإعلام والتعليم لترسيخه حتى أنهم قاموا بإلغاء مادة التربية الدينية باستدلالات علمانية صرفة ، ومع ذلك حاولوا التمهيد أو انتهاز الفرصة للاحتماء في المؤسسات الدينية التابعة لهم ..
2-كما ذكرنا من تجربة محمد عبده وغيره يظهر أن هذا المسلك هو مقدمة لمرحلة جديدة ،فكل مرحلة هجوم على الثوابت ومحاولة الانتقال بالأمة لوضع أسوأ، يحتاجون في بدايتها لهذا المسلك..
3-أن هذا المسلك نابع من فهمهم الجيد لعقليات ونفسيات المجتمع وما يتقبله وما لا يتقبله ، فهم لا يُقامرون على الجدال الفقهي على فتاوى ذويهم ولكنهم يكتفون بها كتوطئة فإذا ناقشتهم قالوا : (نحن لسنا رجال دين ، اذهبوا وناقشوا رجال الدين) ، فما يجب أن نقف عليه هنا هو أهمية دراسة المسالك التي يستخدمونها في التعامل مع المجتمع، والتعامل معها بما يناسبها ويناسب خطورة دورها..
4-الاستفادة من هذه الملحوظات وأشباهها في معرفة ما يخاف العلمانيون منه ويتحاشونه على ضوء ما ذكرناه من فهمهم الجيد لعقلية ونفسية المجتمع ،ووضع الوسائل المضادة لخططهم على ضوئه ،وهو هنا الحرص على عدم إظهار المعركة أنها بين العلمانية والإسلام لأنه يؤدي مباشرة إلى تهميش مؤسساتهم الدينية واحتشاد الأمة حول الصحوة بل وإضفاء الشرعية عليها وإعطاء أبعاد للتضحياتها ، وهو ما تهدف كثير من خططهم لمنعه
5-الوقوف على خطورة المؤسسات الدينية بصورتها الجديدة في الحرب العلمانية والانتباه إلى أنها ستظل حائط الصد ورأس الحربة للعلمانيين في تمرير مخططاتهم،ولعل من أسباب هذا الاتجاه الجديد تراجع وضعف عدد من المناهج الفكرية التي كانت تصب في العلمانية كفكرة كالشيوعية والقومية ، بالإضافة إلى زيادة الخدمات التي تقدمها العلمانية لأعداء الأمة مما يجعلها في حاجة لتأمين الشرعية. وعلى ضوء هذا فيجب إعادة جدولة اهتمامات ومعارك الصحوة الإسلامية وأساليبها في التعامل مع بعض الرموز الدينية كعلي جمعة ورموز العلمانية والربط بينهم بدلائل قوية ..
6- خطأ التعامل مع قضية النقاب منبتاً عن هذا التصور الشامل للأحداث ، وأهمية فهمه ضمن منظومة تغريب المرأة ومخططات العلمانيين للمرحلة القادمة ووضع الوسائل على ضوء هذا الفهم الشامل وانتظام الحلول الجزئية (كبيان فتوى علي جمعة وسيد طنطاوي السابقة أو بيان حكم النقاب) ضمن حلول أكثر شمولية تبدأ بإصلاح الداخل وتهيئته لمواجهة المرحلة القادمة
(يُتبع إن شاء الله)
(3) معركة الثبات بين الجاهلية والإيمان
العلمانية باعتبارها جاهلية في الحكم والتشريع وجاهلية في الأخلاق والقيم وباعتبارها ثورة على الدين والتدين ، مثلها مثل الجاهليات السابقة تتشابه في استدلالاتها وألفاظها وتطرفها ، ولكن من أكثر ما أوضحته الحملة المسعورة على العفة والطهارة هو ما يمكن أن نطلق عليه – إن صح التعبير – المبدئية والتطرف في الثبات على تعاليم الجاهلية وأسسها ويظهر ذلك في ثلاث صور:
الصورة الأولى: التكاتف والتعاضد بين أفرادها في المعركة وشعارهم هو شعار الجاهلية (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً):
فنجد أن (علي جمعة) المعروف عنه استهانته بـ (طنطاوي) يؤازره ، ونجد أن رئيس جامعة عين شمس الذي يحمل وزر بقية الجامعات التي تبعته تتم مكافئته وترقيته بصورة مفاجئة
ونجد أن بقية الجامعات تكاتفت وخاضت المعركة مجتمعة فدخلت جامعة القاهرة وحلوان وبنها والمنصورة والزقازيق وكفر الشيخ والفيوم وتم تبني الأمر من الوزراء ، وعندما سهى أحدهم وهو عميد دار علوم وصرح أنه سيسمح بالكمامة بدل النقاب اضطر ليثبت ولاءه لمزيد خسه ودناءة فتجرأ على الطاهرات فهاجم أختاً وقال لها \"غوري في داهية \" و \"إيه الزفت اللي على وشك ده\" ..بل ونزع بيده نقابها ،وعلق لافتات بمنع الدخول بالكمامة ..
ثم جاء رئيس جامعة الفيوم وزاد وصرح بمنع المدرسات المنتقبات من دخول المحاضرات ، والذي تتابعت التصريحات بمفاده
ثم خرجت المؤسسات الصهيونية الأمريكية لتشن هي الأخرى حرباً شرسة على كلية أمريكية تراجعت عن حظر النقاب محتجة بالجامعات المصرية فكأنها بمعنى آخر تخاف أن يستغل ذلك في الاحتجاج على هذه الجامعات ، فهو تواصي وتكاتف بين الجاهلية في كل مكان ..
أليس هذا هو مسلك الجاهليات في كل زمانٍ ومكان..؟
ألم يذكر سبحانه أن الظالمين بعضهم أولياء بعض فقال سبحانه وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، وقال: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
يقول القرطبي : ({وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} أي أصدقاء وأنصار وأحباب. قال ابن عباس: يريد أن المنافقين أولياء اليهود) ويقول ابن كثير : (وماذا تغني عنهم ولايتهم لبعضهم بعضا، فإنهم لا يزيدونهم إلا خسارا ودمارا وهلاكا)
وذكر سبحانه أن الكافرين أولياء بعض فقال سبحانه : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)
بل اليهود والنصارى مع ما بينهم من عداوة بعضهم أولياء بعض ، قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)
وهذا الرابطة ليست قاصرة على شياطين الإنس بل تربطهم كذلك مع شياطين الجن ، قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) ،وقال سبحانه فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)
وهذا الرابطة تتجاوز وتتغاضى عن أي حقائق أو خلافات ولو كانت في أصل مايدعون الاعتقاد به حتى يصل الأمر بأهل الكتاب أن يشهدوا أن عباد الأصنام والأوثان أهدى من النبي – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين معه ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا)
وهذه الولاية والرابطة تزيد عندما يشعرون بوقع المعركة فيتنادون بالصبر والتكاتف ويلوحون بالتهديد لكل من يتقاعس ،يقول تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)
وهي رابطة تُغذيها الوعود بالنصر والرفعة والجاه والسلطان لضمان استمرارية وقوة هذه الرابطة ، قال تعالى : (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا)
ولكن الله – عز وجل – يطمئن المؤمنين أن هذه الرابطة وإن رآها المؤمنون متشابكة مترابطة فهي واهية كبيت العنكبوت خيوطه متشابكة ومترابطة ولكنها واهية ، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
وفي مقابلها يأمر الله سبحانه المؤمنين بمزيد إخلاص وتوحيد في ولايتهم له سبحانه، إذ هي السبيل الوحيد لإبطال كيد الظالمين أما من تدعوه نفسه ويميل بهواه إلى الركون للظالمين والتماس القرب والرحمة منهم فقد عرض نفسه للعذاب في الدنيا والآخرة ، يقول تعالى : (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)، ويعدهم - إن فعلوا ذلك - بالغلبة ،فيقول تعالى : {ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فإن حزب الله هم الغالبون}