الحلم: هو ضبط النفس حتى لا يظهر منها ما يكره قولاً كان أو فعلاً عند الغضب، وما
يثيره هيجانه من قول سيء أو فعل غير محمود. هذا الحلم كان فيه الرسول - صلى الله
عليه وسلم- مضرب المثل، والأحداث التي وقعت له - صلى الله عليه وسلم- شاهدة على
ذلك.
-
في غزوة أحد شُجت وجنتاه,
وكُسرت رباعيته, ودخلت حلقات من المغفر في وجهه - صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللهم
اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) البخاري،
الفتح كتاب الأنبياء, باب حديث الغار (6/593)
رقم (3477) والجامع الصحيح (3477)، وهذا منتهى الحلم والصفح والصبر منه -
صلى الله عليه وسلم-.
-
والرسول-صلى الله عليه
وسلم-يقسم الغنائم فقال له: ذو الخويصرة اعدل يا محمد فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه
الله!! فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (ويلك فمن
يعدل إن لم أعدل) صحيح مسلم, كتاب الزكاة, باب
ذكر الخوارج وصفاتهم (2/755) رقم (1064)، وحلم
عليه ولم ينتقم منه.
-
عن أنس أن النبي - صلى
الله عليه وسلم- أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظر إلى صفحة عنق
رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال:
يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-
فضحك وأمر له بعطاء. البخاري
الفتح، كتاب الأدب, باب التبسم والضحك (10/519) رقم (6088), ومسلم, كتاب الزكاة,
باب إعطاء من سأل بفحش وغلظه (2/730-731) رقم (1057).
-
وعن أبي هريرة أن أعرابياً
جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يستعينه في شيء فأعطاه ثم قال: (أحسنت
إليك؟) قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار
إليهم أن كفوا، قال عكرمة: قال أبو هريرة: ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم- فدخل
منزله ثم أرسل إلى الأعرابي فدعاه إلى البيت فقال: (إنك
جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت)، فزاده رسول الله - صلى الله عليه
وسلم- شيئاً، ثم قال: (أحسنت إليك)، قال
الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-:
(إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، وقلت ما قلت، وفي أنفس
أصحابي شيء من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما
فيها عليك)، قال: نعم. قال أبو هريرة: فلما كان الغد أو العشي جاء فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم-: (إن صاحبكم هذا كان جاء
فسألنا فأعطيناه، وقال ما قال: وأنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي
أكذلك؟) قال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. قال أبو هريرة:
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (ألا إن مثلي ومثل
هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة، فشردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا
نفوراً، فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأعلم، فتوجه لها
صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هوناً هوناً حتى جاءت
واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال،
فقتلتموه دخل النار) رواه البزار في مسنده وقال:
لا نعلمه يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا من هذ الوجه. كشف الأستار
(3/159-160).
-
وجاءه زيد بن سعنة أحد
أحبار اليهود بالمدينة، جاء يتقاضاه ديناً له على النبي - صلى الله عليه وسلم- فجذب
ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع ثيابه وقال مغلظاً القول: (إنكم يا بني عبد المطلب
مُطلٌ) فانتهره عمر وشدد له في القول، والنبي - صلى الله عليه وسلم- يبتسم، وقال -
صلى الله عليه وسلم-: (أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك
يا عمر، تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي)، ثم قال: (لقد
بقي من أجله ثلاث)، وأمر عمر أن يقضيه ماله، ويزيده عشرين صاعاً لما روّعه،
فكان هذا سبب إسلامه فأسلم، وكان قبل ذلك يقول: ما بقي من علامات النبوة إلا عرفته
في محمد - صلى الله عليه وسلم- إلا اثنتين لم أخبرهما، يسبق حلمه جهله، ولا تزيده
شد الجهل إلا حلماً، فاختبره بهذه الحادثة فوجده كما وصف.
رواه أبو نعيم في دلائل النبوة (1/108-112), والحاكم في المستدرك وصححه وأقره
الذهبي (3/604-605), والهيثمي في مجمع الزوائد (8/239-240).
هذا شيء يسير من حلمه - صلى الله عليه وسلم-.